الحديث التاسع عشر 🌺 من احاديث الاربعين النوويه

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله والصلاه والسلام على رسول الله صلى الله عليه واله وصحبه ومن والاه اما بعد

 

          🌺الحديث التاسع عشر 🌺

من احاديث الاربعين النوويه للامام يحيى بن شرف النووي رحمه الله 

عن ابي العباس عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال : كنت خلف النبي (صلى الله عليه وسلم ) يوما فقال : 

{{ يَا غُلَامُ ، إنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ ؛ احْفَظ الله يَحْفَظُك ، احْفَظ الله تَجِدُه تُجَاهك ، إذَا سَألَتْ فَاسْأَل الله ، وَإِذَا اسْتعنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاَلله ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأمةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنَّ ينفعوك بِشَيْءٍ لَمْ ينفعوك إلَّا بِشَيْءٍ قَد كَتَبَهُ الله لَك ، وَانِ اجْتَمِعُوا عَلَى أَنَّ يضروك بِشَيْءٍ لَمْ يضروك إلَّا بِشَيْءٍ قَد كَتَبَهُ الله عَلَيْك ، رُفِعَت الأَقْلام وَجَفَّت الصُّحُف }}

رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح

 وفي روايه غير الترمذي

{{ احْفَظ الله  تَجِدُه أَمَامَك ، تَعَرَّفْ إلَى الله  فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْك فِي الشِّدَّةِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ ، وَمَا أَصَابَك لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَك ، وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ ، وَأن الْفَرْجِ مَعَ الْكَرْبِ ، وَأنْ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا }}

قال شيخنا صالح العصيمي حفظه الله تعالى الحديث رواه الترمذي في الجامع عن بن عباس واسناده حسن 

والروايه الاخرى عند عبد بن حميد في مسنده واسناده ضعيف ورويت من طرق يتحسن بها الا قوله {{ واعلم ان ما اخطأك لم يكن ليصيبك وما اصابك لم يكن ليخطئك }}

قوله ( صلى الله عليه وسلم ) احفظ الله : اي احفظ أمره 

وأمره نوعان  : 

⁦1️⃣⁩ - قدري وحفظه بالصبر 
⁦2️⃣⁩ - شرعي وحفظه بالامتثال واعتقاد حل الحلال.

 جزاء من حفظ أمر الله نوعان 

⁦1️⃣⁩ - تحصيل حفظ الله له و هذه وقايه

⁦2️⃣⁩ - تحصيل نصر الله وتأييده وهذه رعايه

 والوقايه في دفع النقائص والآفات 

والرعايه في تحصيل الرفعه والكرامات .

 قوله ( صلى الله عليه وسلم ) رفعت الاقلام : اي ثبتت مقادير الخلق بالفراغ من كتابتها 

فالاقلام اقلام القدر ، والصحف صحف اللوح المحفوظ 

معرفه العبد لله نوعان : 

⁦1️⃣⁩ - الاقرار بالربوبيه 

⁦2️⃣⁩ - والمعرفه بالالوهيه 

ومعرفه الله عبده نوعان :

⁦1️⃣⁩ - عامه : تقتضي شمول علم الله له ⁦

2️⃣⁩ وخاصه : تقتدي النصر والتأييد 

وحظ العبد من الجزاء على قدر حظه من العمل 

انتهى كلامه حفظه الله . 

نقول وبالله التوفيق

 هذا الحديث اخرجه الامام الترمذي من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما بإسناد حسن 

وهذا الحديث يتضمن وصايا عظيمة وقواعد كليه من اهم امور الدين

 قوله ( صلى الله عليه وسلم ) احفظ الله : اى احفظ حدوده وأوامره ونواهيه وحفظ ذلك هو امتثال الاوامر واجتناب النواهي ومن ذلك حفظ الراس وما وعى اى السمع والبصر واللسان فلا تستعمل هذه الجوارح الا فى طاعة الله وكذلك حفظ البطن وما حوى ومنه حفظ القلب عن الاصرار على معصيه الله عز وجل قال تعالى {{ إنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرِ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولا }}

ومن اعظم الحفظ حفظ الفرج والفم لقول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) {{ مَنْ حَفِظَ فَمِه وَفَرْجَهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ }} 

رواه الامام احمد

 وكانت اول وصيه اوصاها الله لادم عليه السلام حين اهبط الى الارض ان يحفظ فرجه عن الحرام . 

قوله ( صلى الله عليه وسلم ) يحفظك : اي في امور دينك وأمور دنياك ، فالحفظ في امور الدنيا هو حفظ الانسان في نومه ويقظته من الجن والانس والهوام

 قال مجاهد رحمه الله (( ما من عبد الا له ملك يحفظه في نومه ويقظته من الجن والانس والهوام ))

والحفظ في امور الدين وهو اشرف النوعين بأن يحفظ الله عليه دينه وايمانه ، فيحفظه من الشبهات والشهوات والفتن المضله ويحفظه عند موته فيتوفاه على الايمان .

قال بعض السلف اذا حضر الرجل الموت يقال للملك : شم رأسه فيقول : اجد في رأسه القرآن ، فيقال : شم قلبه فيقول : اجد في قلبه الصيام ، فيقال : شم قدميه فيقول : اجد فى قدميه القيام ، قال : حفظ نفسه فحفظه الله .

 ومن حفظ نفسه في صباه حفظه الله في كبره ومتعه بسمعه وبصره وعقله و قوته ،

 ومن حفظ نفسه من المعاصي

حفظ الله ذريته قال تعالى {{ وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا }}

 فادخر الله سبحانه وتعالى الكنز لليتيمين لصلاح ابيهم 

قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى {{مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يَمُوتُ إلَّا حَفِظَهُ الله فِي عَقِبِهِ وَعَقِب عُقْبَه }}

ويؤكد ذلك قوله تعالى في سوره النساء {{ وليخش الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا الله وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا}}

ومن عجيب حفظ الله لأوليائه ان يحفظه من الحيوانات المؤذيه بالطبع كما حصل لسفينه مولى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) 

سفينه : رجل معروف هو مولى النبي ( صلى الله عليه وسلم )

لما كسر به المركب وخرج

الى جزيره فرأى الاسد فجعل الاسد يمشي امامه يدله على الطريق ولم يؤذه بشيء .

ورؤي ابراهيم بن ادهم رحمه الله تعالى نائما في بستان وعنده حيه في فمها طاقه نرجس فما زالت تذب عنه حتى استيقظ .

قوله ( صلى الله عليه وسلم ) احفظ الله تجده امامك وفي روايه تجاهك معناه : ان من حفظ الله وجد الله معه في كل احواله حيث توجه يحوطه وينصره ويحفظه ويوفقه ويسدده وهذه المعيه الخاصه التي تستلزم النصر والتأييد 

كما كانت لموسى عليه السلام قال تعالى {{ كَلا  إنَّ معى رَبِّى سَيَهْدِين }} 

وكما كانت للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) وابي بكر في الغار قال تعالى {{ لَا تَحْزَنْ إِنَّ الله  مَعَنَا }}

والمعيه هنا معناها : ان الله سيحفظنا و ينصرنا وليست المعيه العامه التي هي لجميع الخلق مثل قوله تعالى {{وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُمْ}} سوره المجادله 

و معناها ان يرانا ويسمعنا و يقدر علينا ولا تستلزم النصر ولا التأييد وليس معناها ان الله معنا بذاته ولكن معنا بعلمه وسمعه وقدرته ، لان الله بذاته فوق عرشه سبحانه وتعالى 

قوله ( صلى الله عليه وسلم ) تعرف الى الله في الرخاء يعرفك في الشده معناها : ان العبد اذا حفظ حدود الله حال رخائه وصحته فقد تعرف بذلك الى الله فيعرفه ربه في الشده فينجيه في الشدائد

وخرج ابن ابى حاتم عن انس يرفعه ان يونس عليه الصلاه والسلام لما دعى في بطن الحوت قالت الملائكه : يا رب هذا صوت معروف من بلاد غريبه ، فقال الله عز وجل : أما تعرفون ذلك ؟ قالوا : ومن هو ؟ قال : عبدى يونس ، قالوا عبدك يونس الذي لم يزل له عمل متقبل ودعوه مستجابه ؟ قال : نعم ، قالوا : يا رب أفلا ترحم ما كان يصنع في الرخاء فتنجيه من البلاء ؟ قال : بلى ،  : فأمر الحوت فطرحه بالعراء 

قال تعالى {{ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِين للبث فِي بَطْنِهِ إلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ }}

واعظم الشدائد التي تنزل بالعبد الموت وما بعده اشد منه ان لم يكن مصير العبد الى خير والعياذ بالله 

لذلك يجب الاستعداد للموت بالاعمال الصالحه. 

 قال ابو عبد الرحمن السلمي قبل موته كيف لا ارجو ربى وقد صمت له ثمانين رمضان،

 و قال ابو بكر بن ابي عياش لابنه عند موته : أترى الله يضيع لأبيك اربعين سنه يختم القرآن كل ليله ؟ 

وختم ادم بن ابي اياس القرآن وهو مسجى للموت ثم قال :  بحبي لك إلا رفقت بى في هذا المصرع ، كنت آملك لهذا اليوم ، كنت ارجوك ، لا اله الا الله ، ثم قضى .

فهذا فعل الله في الشدائد لمن عرفه في الرخاء

 قال الله تعالى {{ إنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبّنَا الله ثُمَّ استقاموا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِم الْمَلَائِكَةُ ألّا تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ }} سوره فصلت

 قال زيد بن اسلم يبشر بذلك عند موته وفي قبره ويوم يبعث فانه لفي الجنه و ما ذهبت فرحه البشاره من قلبه .

قوله ( صلى الله عليه وسلم ) اذا سألت فاسأل الله واذا استعنت فاستعن بالله :  فهذا منتزع من قوله تعالى {{ إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }} ومن قوله تعالى {{ وَقَالَ رَبُّكُم اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}} سوره غافر 

فلا يجوز دعاء غير الله من إنس ولا جن ولا ملك ولا غير ذلك ، وانما يسأل الله لا غيره ويستعان بالله لا بغيره

 فهؤلاء الذين يسألون اصحاب القبور ويدعونهم من دون الله قد أتوا بابا عظيماً من ابواب الشرك بالله لأن الدعاء عباده وقد صرفوها لغير الله عز وجل 

قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : {{  الدُّعَاء هُوَ الْعِبَادَةُ }}  وهذا الذي يدعونه من دون الليله لا يسمعهم ولو سمعهم ما استجاب لهم ، ويوم القيامه يكفر بشركهم والعياذ بالله .

 قوله ( صلى الله عليه وسلم ) جف القلم بما هو كائن وفى روايه رفعت الاقلام وجفت الصحف هو كنايه عن تقدم كتابه المقادير والفراغ منها من أمد بعيد،

 قال تعالى {{ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إلا فِي كِتَابِ مِنْ قبلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إنَّ ذَلِكَ عَلَى الله يَسِيرٌ }}سوره الحديد 

وقال النبي (صلى الله عليه وسلم ) {{ إنَّ الله كَتَبَ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ }}

 وقوله ( صلى الله عليه وسلم ) في رواية غير الترمذي واعلم ان في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا : اى ما اصاب العبد من المصائب المؤلمه المكتوبه اذا صبر عليها كان له في الصبر خير كثير .

وقوله ( صلى الله عليه وسلم ) واعلم ان النصر مع الصبر : فهذا موافق لقوله تعالى {{ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُّلاَقُوا الله  كَمْ مِنْ فِئه قَلِيلَة غَلَبَتْ فِئة كَثِيرَة بِإِذْنِ الله  وَالله  مَعَ الصَّابِرِين }}

 وقال عمر لأشياخ من بنى عبس : كيف قاتلتم الناس ؟ قالوا : بالصبر ، لم نلق قوما إلا صبرنا لهم كما صبروا لنا .

وقوله ( صلى الله عليه وسلم ) وان الفرج مع الكرب : يشهد له قوله تعالى {{ وَهُوَ الَّذِي ينزلُ الْغَيْث مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُر رَحْمَته }} سوره الشورى 

وقد نجي الله انبيائه عليهم الصلاه والسلام عند تناهى الكرب كما نجى نوحاً ومن معه و أهلك عدوهم وكذلك نجى هوداً وصالحاً وشعيباً عليهم الصلاه والسلام ومن آمن معهم واهلك أعدائهم .

وقوله ( صلى الله عليه وسلم ) وان مع العسر يسر : منتزع من قوله تعالى {{ سَيَجْعَل الله  بَعْدَ عُسر يُسْراً }} سوره الطلاق 

و قوله تعالى {{ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرا إنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرا }}سوره الشرح 

و معنى ذلك انه مهما ينزل بالعبد من شده يجعل الله بعدها فرج 

و المؤمن اذا استبطأ الفرج وأيس من عدم اجابه دعائه عاد باللوم على نفسي وقال لها : انما أوتيت من قبلك فلو كان فيكى خير لأجبت 

 وهذا اللوم أحب الى الله عز وجل من كثير من الطاعات و لعله يكون سبب تفريج الهم وتيسير العسر . 

 والله أعلم 

وصلي اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وآله  وصحبه وسلم

شرح / نبيل الوهيدي عفا الله عنه 🌴🌴